معادلة جديدة علي القطاع العقاري أن يتكيف معها خلال عام 2017، فالقرارات الجديدة التي اتخذتها الحكومة علي صعيد السياسات المالية والنقدية في مطلع نوفمبر 2016 بهدف معالجة الاختلالات الهيكلية التي يواجهها الاقتصاد القومي ترتب عليها صعود كبير في التكلفة الانتاجية بداخل القطاع العقاري، الأمر الذي يقود الشركات لرفع أسعار منتجاتها النهائية، بما سيخفض معه الطلب علي العقارات من قبل شريحة كبيرة من المستهلكين الذين لن تتناسب دخولهم مع المستويات الجديدة للأسعار، أو سيرجئون قرار الشراء في الوقت الحالي.
لذا بات علي الشركات العاملة في القطاع العقاري أن تنتج وفق أدني المستويات الممكنة من التكلفة، وتطرح منتجاتها بأسعار تناسب الشرائح المستهدفة من المستهلكين، حتى تضمن طلب فعلي علي منتجاتها يترجم إلي مبيعات حقيقية، وأصبح لزاما علي بعض الشركات تقبُل هوامش ربحية أقل مما كانت تحققه في الماضي للحفاظ علي مكانتها في السوق وتواجدها بين المنافسين.
هذه المعادلة الصعبة تتطلب درجة عالية من المرونة بين المستثمرين العاملين في القطاع العقاري، ووضع حسابات دقيقة للمستقبل حتى لا تصل درجة المخاطرة في تحديد السعر وتقبل التكلفة العالية والربح المنخفض إلي مستوي يضر بمؤشرات السلامة المالية للشركة ويهدد من قدرتها علي العمل والاستمرار في السوق الذي يتسم بمستويات عالية من المنافسة.
وعلي الرغم من هذه الصعوبات ففرص الشركات العقارية في النمو وتحقيق قفزات في حجم أنشطتها خلال العام الجاري لا تزال قائمة وبقوة نتيجة لعدد من العوامل في مقدمتها استمرار الفجوة التسويقية المتسعة بين الطلب الكبير علي الوحدات السكنية والمعروض المنخفض نسبيا منها، مروراً باستمرار الدولة في تنفيذ عدد كبير من المشروعات القومية الداعمة لهذا القطاع الهام، ووصولاً إلي التدفقات الكثيفة المتوقعة لرأس المال الأجنبي للاستثمار المباشر في القطاع العقاري في العام الجديد.
كل هذه الخطوط المتشابكة دفعت "البوابة العقارية" لتخصيص هذا الملف في تحليل مستقبل القطاع العقاري في 2017، وتحديد مواطن القوة والفرص التي يمكن للشركات استغلالها، والتنبيه بمواطن الضعف والتحديات التي يجب الانتباه لها جيدا خلال الفترة المقبلة.
تأثر قطاع العقارات كغيره من القطاعات الأخري بموجة الارتفاع الكبيرة التي شهدتها جميع أسعار السلع والخدمات علي مدار الفترة الماضية نتيجة القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة في مطلع نوفمبر 2016 وخاصة علي صعيد تحرير سعر صرف الجنيه في مقابل العملات الأجنبية وهبوط قيمة الجنيه بحوالي 130% ، فضلا عن تخفيض الدعم علي المواد البترولية، وارتفاع سعر الفائدة علي الايداع والاقتراض بنحو 300 نقطة مئوية.
ونتج عن هذه القرارات ارتفاع كبير في أسعار مدخلات الانتاج بالنسبة للقطاع العقاري وخاصة أسعار مواد البناء التي تراوحت الزيادة في أسعار عناصرها الرئيسية بين 15% و 35% ، وكذلك أسعار العمالة التي زادت بنحو 20% تقريبا ، فضلا عن ارتفاع أسعار الأراضي بأكثر من 15%، الأمر الذي نتج عنه في النهاية ارتفاع التكلفة الانتاجية الكلية في القطاع بحوالي 30%، ومن المتوقع أن تستمر هذه الزيادة في المستقبل القريب وخاصة خلال العام الجاري.
اتجهت أغلب الشركات العاملة في القطاع العقاري لرفع أسعار وحداتها الجديدة بحوالي 25% وذلك لاستيعاب الزيادة في تكلفة الانتاج التي زادت بحوالي 30% تقريبا.
وتراوحت الشركات فيما بينها في مستويات الزيادات السعرية التي طبقتها علي وحداتها الجديدة وذلك بحسب مرونة الطلب علي هذه الوحدات، فأغلب الشركات التي تنتج وحدات سكنية وسياحية وغيرها للطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة كانت مقيدة في نسبة الزيادة مقارنة بالشركات التي تنتج الوحدات السكنية الفاخرة والتي تستهدف منها الطبقات الغنية، وذلك لأن الطبقات الغنية لديها القدرة علي التكيف مع الزيادات السعرية أكثر من الطبقات المتوسطة والفقيرة والتي ارهقتها الزيادات السعرية في أغلب السلع والخدمات الأساسية علي مدار الفترة الماضية.
من المتوقع أن يشهد الطلب علي منتجات القطاع العقاري بالسوق المصري تراجعا بنحو 15% تقريباً خلال الفترة المقبلة والممتدة حتى نهاية عان 2017 الجاري، وذلك نتيجة لعدد من العوامل أولها الارتفاع الكبير في أسعار أغلب وحدات القطاع العقاري بما يفوق قدرة الكثيرين علي الشراء من أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة والذين يشكلون نسبة لا يستهان بها من إجمالي الطلب علي انتاج القطاع العقاري الخاص.
وثاني هذه العوامل تآكل مدخرات الأفراد وتراجع القوي الشرائية للجنيه المصري الأمر الذي دفع الكثيرين لإرجاء قرار الشراء في الوقت الحالي أو علي الأقل لحين تحسن الأوضاع في المستقبل، بينما ثالث هذه العوامل التي أثرت بالسلب علي حركة الطلب علي منتجات القطاع العقاري ارتبطت بارتفاع تكلفة التمويل بشكل كبير وبنحو 300 نقطة مئوية علي مدار الفترة الماضية الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع في فوائد الحصول علي القروض العقارية من البنوك والشركات المتخصصة في هذا المجال بما نتج عنه هبوط في الطلب علي شرائح متعددة من منتجات القطاع العقاري.
من المتوقع أيحقق القطاع العقاري نمواً في حجم أعماله بنحو 4% فقط خلال عام 2016 مقارنة بنمو بنحو 9% سجله القطاع في حجم أعماله بنهاية عام 2016 ، و5.5% مثل معدل النمو في حجم أعمال القطاع في عام 2015.
ويعد الانخفاض المتوقع في معدل نمو القطاع نتيجة طبيعية للارتفاع الكبير في تكلفة الانتاج، والصعود الكبير أيضا في مستوي الأسعار بما ترتب عليه هبوط في حجم الطلب وانخفاض الحافز علي الانتاج لدي العديد من الشركات وتركيزها بشكل كبير علي تصريف المخزون والتخلص منه في الفترة لحالية.
ويعد القطاع العقاري وقطاع التشييد والبناء بصفة عامة أحد أبرز القطاعات التي ساهمت في نمو الناتج المحلي الإجمالي المصري علي مدار الفترة الماضية ، وخاصة مع تركيز الدولة علي إطلاق عدد من المشروعات العقارية ، والتوسع النسبي في الأراضي المطروحة من قبل هيئة المجتمعات العمرانية التي تعد الذراع الاستثمارية للدولة في هذا القطاع الهام.
بعد أن قامت الحكومة المصرية بتحرير سعر صرف الجنيه في مقابل العملات الأجنبية الأخري وفقدان الجنيه المصري ما يقارب 130% من قيمته التي كانت سائدة قبل التعويم، أصبح السوق المصري بمثابة فرصة جيدة لرأس المال الأجنبي ، وبات القطاع العقاري المصري أحد أبرز القطاعات الاستثمارية التي يستهدفها الأجانب باستثماراتهم المباشرة في الفترة المقبلة.
وتتوقع الحكومة وفود أحجام كبيرة من رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في القطاع العقاري المصري علي مدار الشهور المقبلة ، بما سينتج عنه مضاعفة أحجام الأموال المستثمرة في القطاع، حيث تتوقع وزارة التخطيط دخول أكثر من 10 مليارات دولار كاستثمارات مباشرة في السوق العقاري المصري خلال عام 2017 ، بما سيكون له أثر ايجابي كبير علي معدلات نشاط القطاع.
حيث يعد من أكثر العوامل الداعمخة والمحفزة للقطاع العقاري في العام الجديد هو استمرار الفجوة المتسعة بين الطلب علي منتجات القطاع العقاري والمعروض من هذه المنتجات في السوق ، حيث أشارت دراسات رسمية محلية وعالمية أن الطلب علي الوحدات السكنية في السوق المصري يتراوح بين مليون و 1.2 مليون وحدة سكنية ، نتيجة للزيادات السكانية المستمرة من ناحية وحالات الزواج التي تخطت مليون و 50 ألف حالة سنوياً في متوسط آخر 3 سنوات.
ومع هذا الطلب الكبير لا يزيد المعروض السنوي من الوحدات السكنية التي تتم عبر القطاع الخاص والدولة معاً عن 700 ألف وحدة سنويا ، الأمر الذي يخلف عجزاً كبيرا في توافر الوحدات بالسوق المصري ، ويتيح للشركات العقارية وضع خطط توسعية مع ضمان وجود طلب علي منتجاتها في المستقبل.
يعد القطاع العقاري هو القبلة الأولي للمستثمرين الأجانب في السوق المصري من سنوات طويلة مضت، وتشير الإحصائية الرسمية الصادرة عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات وهي مؤسسة دولية تشغل مصر عضويتها أن القطاع العقاري كان في مقدمة القطاعات المستقبلة لرأس المال الأجنبي في الفترة الممتدة بين 2003 وحتى نهاية عام 2015 ، حيث استقبل القطاع العقاري في هذه الفترة نحو 39 مليار دولار من إجمالي 121 مليار دولار دخلت للسوق المصري خلال هذه الفترة.
ومع الحوافز الأخيرة التي وفرتها الحكومة لاجتذاب رأس المال الأجنبي ومنها تحرير سعر صرف الجنيه وإزالة المعوقات الإدارية وتأمين عقود المستثمرين وخلافه فمن المتوقع أن تزداد رؤوس الأموال الأجنبية الوافدة للقطاع في العام الجديد وهو ما يمثل فرصة كبيره أمام إمكانيات نموه.
أطلقت الحكومة المصرية منذ منتصف عام 2014 وبالتزامن مع توالي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم حزمة من المشروعات القومية الكبري التي تزيد استثماراتها الإجمالية عن 100 مليار دولار ، ومن هذه المشروعات مشروعات عقارية خالصة كمشروع المليون وحدة سكنية ومشروعات الاسكان الاجتماعي ومنها مشروعات أخري تحمل فرصا للقطاع العقاري كمشروع العاصمة الإدارية الجديدة ومشروعات تنمية سيناء وتنمية منطقة المثلث الذهبي وشرق بورسعيد ومحور قناة السويس.
حيث تحمل هذه المشروعات فرصا كبيرة للشركات العقارية لإنشاء ظهير عمراني لهذه المشروعات، كما أن إصرار الحكومة علي استكمال هذه المشروعات يمثل عنصر أمان أمام الكثير من الشركات العقارية في ظل التحديات الكثيرة التي تواجهها وخاصة في العام الجديد.
تنامت مؤخرا مبادرات الشراكة التي انطلقت بين الدولة وعدد من المطورين العقاريين لإنشاء عدد من المشروعات الهامة ، وقامت الدولة بتوفير الأراضي وساهم المطور بباقي عمليات الانشاء والتمويل وخلافه ، الأمر الذي نتج عنه مشروعات ناجحة تم فيها استغلال مخزون الأراضي الضخم والمتراكم لدي الدولة ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية من ناحية ، واستغلال إمكانيات المطورين وأفكارهم الاستثمارية الناجحة من ناحية أخري .
وقد أعلنت الحكومة علي لسان الدكتور مصطفي مدبولي وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية تركيزها بشكل كبير علي تطوير نماذج الشراكة بين الحكومة والمطور كآلية عمل يمكننها تحقيق طفرة كبيرة في حجم نشاط القطاع خلال الفترة المقبلة ، ويعد هذا الأمر بمثابة فرصة كبيرة للكثير من المطورين العقاريين للحصول علي نصيب من المشروعات التي يمكن أن تخطط لها الدولة وتستعين بالمستثمر للمشاركة في تنفيذها.
ومع كل هذه التحديات التي باتت واضحة في معادلة القطاع العقاري للعام الجديد ، ففرص القطاع في تحقيق إنطلاقة قوية ما زالت قائمة ، ولكنها مشروطة بتحقيق بعض المطالب التي حددها بوضوح المطورون العقاريون ، وأصروا علي ضرورة توفيرها من قبل الحكومة لضمان انطلاقة قوية للقطاع في 2017 ، والاستمرار في أداء الدور الوطني للشركات العقارية التي ساهمت بشكل كبير في معادلة النمو الاقتصادي في مصر في آخر 5 سنوات.
ويمكن عرض هذه المطالب في أربعة بنود رئيسية.
يعاني المطورون العقاريون علي مدار السنوات الماضية من عجز شديد في المعروض من الأراضي من قبل الدولة ، الأمر الذي ينتج عنه ارتفاع كبير في أسعار تلك الأراضي وبالتالي ارتفاع كبير موازي في أسعار المنتجات النهائية أو الوحدات التي ينتجها القطاع خاصة وأن تكلفة الأراضي تمثل حوالي 40% من تكلفة انتاج الوحدات في السوق المصري في المتوسط.
ولم تطرح وزارة الأسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية سوي 8 آلاف قطة أرض تقريباً في عام 2016 وهو ما يقل عن نصف احتياجات المستثمرين في السوق المحلي ، الأمر الذي نتج عنه مضاعفة أسعار الاراضي وبالتالي ارتفاع أسعار الوحدات المنتجة ومواجهة مشاكل في ترويجها وترجمتها لمبيعات حقيقية تدعم ميزانيات الشركات العاملة بالقطاع.
وفي هذا الصدد تطالب الشركات العقارية بضرورة تغيير سياسة الدولة في طرح وتخصيص الأراضي وأن تكثف من عمليات الترفيق والطرح خلال الفترة المقبلة لسد الاحتياجات الكبيرة للشركات وترجمتها لوحدات منتجة تتمكن من إشباع الطلب الكبير في السوق.
تعاني أغلب الشركات العاملة في السوق المصري بشكل عام وفي القطاع العقاري علي وجه الخصوص من مستوي عالي من البيروقراطية والروتين المتبع من أجهزة الدولة ولاسيما تلك التي تتعامل بشكل مباشر مع المستثمر الأمر الذي ينتج عنه تعطل التراخيص الخاصة بمزاولة الأعمال بل وتأسيس الشركات أيضا ، بما يساهم في انخفاض مستوي الحافز علي الاستثمار لدي الكثير من المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب وتفضيلهم العمل في سوق آخر يتسم بتيسيرات إدارية أوسع.
وعليه تطالب الشركات العقارية الحكومة بضرورة تفعيل نظام "الشباك الواحد" وتخفيض عدد الموافقات اللازمة لمزاولة الأعمال والتي لا تتسم جميعها بنفس المستوي من الضرورة الأمر الذي ينتج عنه تعطل خطط الشركات لسنوات طويلة والتأثير السلبي علي معدلات وأحجام نشاطها في السوق.
حيث تطالب الشركات العقارية بضرورة إسناد مهام ترفيق الأراضي للقطاع الخاص وتطبيق ما يعرف بنظام المطور العام ، بحيث يحصل المستثمر علي الأراضي بسعر مناسب ويقوم بترفيقها وتنفيذ مشروعاته عليها ، حتي يمكن تخفيف العبء الذي تتحمله أجهزة الدولة ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة والهيئات والجهات المعاونة لها في ترفيق هذه الأراضي وتحمل أعبائها المالية لحين تحصيل مقابل هذه الأراضي من المستثمرين الذي يحصول علي حقوق استغلالها أو تملكها.
ويري المطورون أن هذا الأمر يحمل معه فرصا كبيرة للدولة للتوسع في الأراضي المطروحة وتحسين جانب العرض منها ، مما سيصب في النهاية في تنمية أعمال القطاع من ناحية ، وتخفيض السعر النهائي للوحدات المنتجة بما سيصب في مصلحة المستهلك من ناحية أخري.
تعاني الشركات الصغيرة والمتوسطة في مختلف قطاعات الاقتصاد من مشاكل كبيرة علي صعيد مزاولة نشاطها وقدرتها علي تنمية حجم أعمالها ، وتتوزع هذه المعوقات بالنسبة للرشكات العقارية بين المعوقات التمويلية والمعوقات في الحصول علي الأراضي المناسبة والترويج الجيد لمنتجاتها وترجمة المخزون من الوحدات السكنية لمبيعات حقيقية .
ومن هذا الاتجاه يطالب المطورون الدولة بضرورة توسيع دائرة الاهتمام بصغار المطورين والشركات المتوسطة لتمكينهم من التوسع في خططهم الاستثمارية بما سيصب في تنمية حجم الناتج المحلي الإجمالي وإعطاء دفعة قوية في أنشطة القطاع وتحقيق التوسع الرأسي والأفقي في أنشطة القطاع علي حد سواء.
وطالب المطورون بإعطاء مزايا لهذه الشركات في أولوية الحصول علي الأراضي التي تناسبها ومساعدتها في ووضع خطط ترويج جيدة لمنتجاتها فضلاً عن توفير العمالة الفنية المدربة التي تحاجها ، نهايةً بضرورة توفير برامج تمويلية خاصة لتمويل أنشطة هذه الشركات.