بين مستثمر أجنبي متعسف في شروطه، وقيادة سياسية مصرة على تنفيذ المشروع وإنجازه في وقت قياسي، ومستثمر محلي يطمع ويطمح في الفرصة، يقف مشروع العاصمة الإدارية الجديدة كمتغير هام في حسابات قطاع المقاولات والتطوير العقاري المصري للفترة المقبلة.
فهذا المشروع يرى البعض أنه سيكون قاطرة تنموية للكثير من القطاعات الاقتصادية وسيساهم في تحقيق العديد من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للدولة في ضوء التحول نحو نظام إداري أفضل، وتركز الخدمات الإدارية في مكان واحد، وتخفيف الضغط على العاصمة الإدارية الحالية التي اكتظت بالسكان وانخفض مستوى خدمات مرافقها نتيجة التكالب على استخدامها بكثافة.
أسندت الحكومة مؤخرًا تنفيذ المشروع للمستثمرين والشركات المحلية في إعلان واضح لتحدي الشروط الصعبة للمستثمر الأجنبي، بما يكفل توفير المزيد من الفرص لشركات المقاولات المحلية، ويمكنها من مضاعفة حجم أعمالها من ناحية، ويوفر من العملة الصعبة التي كان سيحصل عليها المنفذ الأجنبي من ناحية أخري.
ولكن مع هذا الإسناد لاحت في الأفق الكثير من التساؤلات حول مدى قدرة المستثمر المصري على تنفيذ مثل هذه المشروعات الضخمة بالكفاءة اللازمة، وهل يتوافر بداخل جدران الاقتصاد التمويل الكافي لهذا المشروع.
تحاول البوابة من خلال هذا الملف الإجابة على مختلف التساؤلات مع رسم خطة بمطالب وفرص وتحديات الشركات المصرية التي تنوي الحصول على حصة من تنفيذ هذا المشروع التنموي الضخم.
ظلت الحكومة المصرية في مناقشات مع شركة إعمار الإماراتية من تاريخ توقيع مذكرة التفاهم في مارس 2015 إلى أن أسدلت شركة إعمار الستار في يناير 2016 برفض مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وذلك لعدم الوصول إلى اتفاق نهائي بين الطرفين وخاصة في مسألة التمويل، والتي تمسكت شركة إعمار بأن يكون التمويل من خلال البنوك المحلية، وهو ما رفضته الحكومة المصرية لوجود أزمة كبيرة في توفير العملة الصعبة واحتياج الحكومة لتدفق دولاري من خلال المشروع .
بعد أن قامت الحكومة بفسخ الاتفاقية المبدئية مع شركة إعمار، سعت الحكومة لإيجاد بديل لتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع العاصمة الإدارية، وتوصلت الحكومة لاتفاق مبدئي مع الشركة الصينية العامة للهندسة الإنشائية إلا أن الاتفاق لم يوقع نهائيًا بسبب خلافات في المفاوضات على سعر تنفيذ المتر المربع.
ونتيجة لتعثر دخول مستثمر أجنبي في تنفيذ المشروع اتجهت الأنظار إلى المستثمرين المصريين، وشركات المقاولات المصرية لتنفيذ المرحلة الأولى منه.
يعاني قطاع المقاولات المصري من عدة مشكلات خلال الفترة الحالية أبرزها؛ ارتفاع تكلفة الإنتاج سواء على صعيد مواد البناء أو العمالة أو المعدات والآلات، الأمر الذي ضاعف من أعباء القطاع، وأجبر الشركات على ضرورة مضاعفة حجم أعمالها حتى تتمكن من الوفاء بمصروفاتها الثابتة، والمتمثلة في أجور العمالة المنتظمة، ولوازم تشغيل الآلات والمعدات، وتحديث أسطولها، حتى كادت العديد من الشركات بالقطاع أن تغلق أبوابها تأثرًا بهذه الظروف، لولا اتساع الفرص المتاحة بالقطاع بعد إسناد تنفيذ مشروع العاصمة الجديدة للشركات المحلية، ودخول الكثير من صغار المقاولين للمشروع عبر التعاقد من الباطن.
لا شك أن الاقتصاد المصري يعاني من معدلات بطالة عالية تتخطى حاجز الـ 13% وفقًا لتقديرات حكومية، الأمر الذي يشير لوجود حوالي 4 مليون عاطل بداخل الدولة، ومن المتوقع أن يساهم إسناد تنفيذ هذا المشروع الضخم لشركات مقاولات محلية لارتفاع الطلب على العمالة من ناحية، وتقييد عملية تسريح العمالة التي لجأت إليها بعض شركات المقاولات في الفترة الأخيرة من ناحية أخرى.
يحتاج مشروع العاصمة الإدارية الجديدة إلى اتباع أعلى المواصفات الفنية والتكنولوجية من قبل شركات المقاولات المنفذة له، ومن المتوقع أن تلجأ هذه الشركات لتحديث تقنيات عملها لتتواكب مع متطلبات المشروع ومواصفاته، الأمر الذي سيمكن هذه الشركات من رفع تنافسيتها في الحصول على أعمال جديدة سواء بداخل السوق المصري أو خارجه.
كانت الحكومة على مشارف التعاقد مع شركات أجنبية لتنفيذ المشروع بما يعني تحمل خزانة الدولة لالتزامات مالية بمليارات الدولارات من المقرر أن تسددها خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي كان سيؤثر بشكل كبير على المعروض من العملة الصعبة في سوق النقد، ويمارس مزيد من الضغط على سعر الدولار، ولكن بتعاقد الحكومة مع بعض الشركات المحلية لتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع وفرت هذه الالتزامات الدولارية، وأصبحت هذه الالتزامات مقتصرة فقط على نسبة المكون الأجنبي بالمشروع.