غيرت التطورات الأخيرة التي شهدها القطاع العقاري في مصر تقديرات المستثمرين بشأن مستقبل أرباحهم، وبدأ كل مستثمر في دراسة الآليات المناسبة حول الطريقة الأنسب لاستثمار أمواله على نحو يُمكّنه من تحقيق أقصى عائد ممكن عليها.
وتمثلت هذه التطورات في ارتفاع أسعار مواد البناء، ومواصلة أسعار الأراضي في الزيادة، فضلًا عن ارتفاع أسعار العمالة، وتطبيق الدولة سياسات مالية ونقدية انكماشية؛ ترتب عليها ارتفاع تكلفة التمويل، وارتفاع معدل الضريبة، وأسعار الوقود.
وهذه التطورات ترتب عليها ارتفاع في تكلفة الإنتاج على الشركات العقارية، واضطرارها لرفع أسعار وحداتها المنتجة حتى تتغلب على ارتفاع تكلفة الإنتاج، وقد ارتفعت تكلفة الإنتاج بحوالي 20% في المتوسط خلال الفترة الماضية، وخاصة منذ منتصف عام 2016 وحتى الآن.
ونتيجة لهذه التغيرات اتجه "مؤشر البوابة العقارية" هذه المرة لدراسة الوعاء الاستثماري الأكثر ربحية للشركات العاملة في مجال التطوير العقاري والعمراني، من خلال دراسة معدل الربحية الذي تحققه الشركة عندما تستثمر في مناطق الإسكان الراقي التي تتسم بارتفاع أسعار وحداتها، ومناطق الإسكان المتوسط التي تتسم باعتدال مستوى أسعار وحداتها، ومناطق محدودي الدخل التي تتسم بالوحدات منخفضة السعر .
وحصر المؤشر مجموعة من الوحدات في كل نوعية من المناطق المذكورة، وبتقديرات منضبطة اقتصاديًا ومحاسبيًا استطاع حساب مؤشر الربحية؛ من خلال المقارنة بين كل من السعر النهائي للوحدة، ومتوسط التكلفة الكلية شاملة الضرائب، وكافة النفقات الإدارية والإهلاك وغيرها من أنواع النفقات المختلفة.
سجل المؤشر أن الشركات التي تستثمر في مناطق الإسكان الفاخر تستطيع تحقيق متوسط ربحية يصل إلي 40% على كل وحدة مباعة، معبرًا عن هذا الربح بين السعر النهائي للوحدة والتكلفة الكلية لها، وأن معدل دوران رأس المال يصل إلي عامان في كل دورة، بما يعني أن الشركة تحقق نحو 20% كعائد سنوي على أموالها المستثمرة في هذه المناطق.
ومن هذه المناطق التي تتسم باشتمالها على الوحدات الفاخرة؛ والتي تستهدف الفئات مرتفعة الدخل من المستهلكين، مناطق: القاهرة الجديدة، والرحاب، والشيخ زايد، ومصر الجديدة.
وتركز الشركات العاملة في هذه المناطق على إعداد وحدات تتسم بأعلى مستويات الرفاهية، والمساحة المناسبة، والخدمات المحيطة؛ والمزايا الأخرى، كالمساحات الخضراء، والأمن وخلافها.
وتجتذب هذه الوحدات الفئات عالية الدخل من المستهلكين، والذين ينخفض لديهم مرونة الطلب السعرية، حيث لا تهتم هذه الفئات بتغيرات السعر بقدر اهتمامها بنوع "التشطيب"؛ والمساحة، والخدمات المتاحة بالمنطقة، ونوعية السكان فيها.
وبدأ الكثير من الشركات العقارية بالتوجه لمناطق السكن الراقي، وتنفيذ عدد محدود من الوحدات لتختبر قدرتها على المنافسة في هذه المناطق، من خلال الاستعانة بشركات مقاولات؛ واستشاريين يجيدون تنفيذ مثل هذه الوحدات بالمواصفات التي يطلبها السوق.
سجل المؤشر أن الشركات المستثمرة في مناطق الإسكان المتوسط تستطيع تحقيق معدل ربحية يدور حول 28% من السعر النهائي للوحدة المنتجة، بعد خصم كافة النفقات الخاصة بهذه الوحدة متضمنة كافة النفقات الإنشائية، والإدارية، والتسويقية، والتمويلية، والتشغيلية المختلفة.
وسجلت دورة رأس المال لدى الشركات العاملة في هذا النوع من الوحدات نحو عام ونصف العام، بما يعني قدرة هذه الشركات على تحقيق معدل ربح يصل إلي 18.7% سنويًا على أموالها المستثمرة.
وتشتمل هذه المناطق التي تتسم بانتشار وحدات السعر المتوسط التي تستهدف متوسطي الدخل على مناطق، 6 أكتوبر، والشروق، والعبور، ومدينة نصر.
وتهتم الشركات المستثمرة بهذا النوع من الوحدات بتحقيق التوازن بين مواصفات الوحدات المنتجة، بحيث تكون مواصفات جيدة تنل قبول العميل، وبين مستويات سعرها، والذي لا ينبغي أن يتخطى مستوى معين لضمان الطلب على هذا النوع من الوحدات؛ وتقدم الشركات المنتجة لهذه الوحدات تسهيلات في السداد، وبعض الخدمات التي تتعلق بالأمن والحراسة، وبعض المساحات الخضراء على وحداتها المنتجة.
سجل المؤشر أن معدل الربحية لدى الشركات التي تعمل في الوحدات منخفضة السعر، والتي تستهدف أصحاب الدخل المحدود سجل حوالي 26% من السعر النهائي للوحدة، بعد خصم كافة نفقات الوحدات متضمنة النفقات الإدارية، والتسويقية، والضريبية، وغيرها من أنواع النفقات التي تتحملها هذه الشركات.
وسجلت دورة رأس المال بالنسبة للشركات العاملة في هذا النوع من الإسكان نحو عام ونصف العام؛ بما يعني أن الشركات العاملة في هذا النوع من الإسكان تستطيع تحقيق حتى 17.3% كأرباح على أموالها المستثمرة سنويًا.
وتضم هذه المناطق مدينة بدر، وبعض مناطق مدينة 6 أكتوبر، وبعض مناطق مدينة العبور، وبعض المناطق الشعبية الأخرى.
وانخفاض معدل العائد السنوي للشركات التي تعمل في وحدات محدودي الدخل مقارنة بالشركات التي تعمل في مجال الوحدات متوسطة الدخل، ومرتفعة الدخل كان العامل الأساسي في انخفاض عدد الشركات التي تعمل في هذا النوع من الإسكان، وانخفاض حجم الأعمال المُنفّذ فيه، الأمر الذي استوجب من الدولة التدخل لتنفيذ بعض المشروعات التي تخدم محدودي الدخل؛ والتي يطلق عليها برامج الإسكان الاجتماعي، ومن ضمنها خطة الحكومة لإنشاء مليون وحدة سكنية على خمس سنوات لأصحاب الدخل المحدود.
حيث يتسم معدل العائد على الاستثمار في وحدات الإسكان الفاخر بارتفاعه مقارنة بالاستثمار في وحدات الإسكان المتوسطة، ووحدات أصحاب الدخل المحدود، التي تتسم بانخفاض مستوى أسعارها، حيث يبلغ معدل العائد السنوي على الأموال المستثمرة في الإسكان الفاخر حوالي 20%، في حين ينخفض إلي 18.7% حال استثمارها في وحدات الإسكان المنخفض؛ وتصل إلى 16.3% حال الاستثمار في وحدات محدودي الدخل.
يتسم أصحاب الدخول المرتفعة، والذين يُمثلون الفئة المستهدفة من الشركات المستثمرة في المناطق الراقية، والتي تنتج وحدات سكنية وترفيهية مرتفعة السعر، بانخفاض مرونة الطلب السعرية لديهم، بمعنى عدم انخفاض طلبهم بشكل كبير مع ارتفاع السعر، وهذه الميزة تُمكن الشركات المستثمرة من رفع أسعار الوحدات، مع ضمان عدم تأثر السعر بنسبة كبيرة، الأمر الذي يمكنهم من تعظيم أرباحهم، كما كان لهذه الميزة دور كبير خلال الفترة الماضية، وخاصة مع ارتفاع نفقات الإنتاج في القطاع العقاري بشكل عام، واحتياج الشركات لرفع مستوى أسعارها إلي منطقة تضمن لها عدم ركود الطلب على وحداتها؛ أما أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة، فيتسمون بارتفاع مرونة الطلب السعرية لديهم، بمعنى انخفاض الطلب بشكل كبير حال رفع مستوى السعر النهائي للوحدات المنتجة، وهذا الأمر يُقيد الشركات المستثمرة في هذه المناطق من رفع مستوى أسعارها.
شهدت الفترة الماضية قفزات كبيرة في أسعار الأراضي، سواء التي تطرحها الدولة للاستثمار في المناطق المختلفة، أو المتوفرة في سوق العقارات بين الشركات والأفراد بعضهم البعض، وهذا الارتفاع في أسعار الأراضي وصل إلى مناطق إسكان محدودي الدخل والمناطق الشعبية، الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع في تكلفة إنتاج الشركات العاملة في هذا النوع من الإسكان، ومن ثَمّ حاجتها لرفع مستوى السعر، وارتفاع مستوى السعر إلى مستوى معين في هذه المناطق يترتب عليه تباطؤ الطلب، خاصة مع تزايد عدد الوحدات التي تنتجها الدولة من خلال مشروعات الإسكان الاجتماعي؛ وهو ما يُحفز الشركات للانتقال من العمل في هذه المناطق لمناطق الإسكان الراقي التي تكون أكثر قدرة على تحمل الارتفاعات في أسعار الأراضي.